متى يتكلم الطفل؟
تعد مرحلة تعلم الطفل للكلام من أهم مراحل تطور اللغة والتواصل في حياته. تختلف هذه المرحلة من طفل لآخر، بناءً على عدة عوامل بيولوجية ونمائية، وكذلك العوامل البيئية والاجتماعية التي يتعرض لها الطفل. معرفة المراحل التي يمر بها الطفل قبل أن يبدأ في التحدث بكلمات مفهومة يسهم في تعزيز فهم الوالدين والمربين لتطورات نمو الطفل بشكل عام.
1. مراحل تطور اللغة لدى الطفل
في البداية، يمر الطفل بمراحل تدريجية تطورية حتى يتعلم اللغة ويبدأ في استخدام الكلمات والتعبيرات. يتطور الكلام عند الطفل بشكل طبيعي على مدار سنواته الأولى، وينقسم تطور اللغة إلى عدة مراحل رئيسية يمكن أن تتفاوت بين الأطفال، ولكنها تتبع نمطًا عامًا:
أ. المرحلة المبكرة: من الولادة حتى الشهر السادس
في هذه المرحلة، يكون الطفل غير قادر على إنتاج كلمات، ولكن تقتصر وسائل التواصل على الأصوات والتهدئات التي تصدر عن الطفل، مثل البكاء. في البداية، يستخدم الطفل البكاء للتعبير عن احتياجاته مثل الجوع أو الألم أو الرغبة في النوم. تتضمن هذه المرحلة أيضا تفاعلات الطفل مع المحيطين به باستخدام الإشارات غير اللفظية، مثل الابتسامات أو حركة العينين، وهي طرق طبيعية لفهم العالم من حوله.
ب. مرحلة الأصوات البدائية: من الشهر السادس حتى السنة الأولى
يبدأ الطفل في هذه الفترة بإصدار بعض الأصوات غير المفهومة مثل “أغاغا” و”أوبا”. هذه الأصوات تعتبر بمثابة البداية للتمهيد للكلام المنطوق. في هذه الفترة يبدأ الطفل في تنمية مهارات الفهم والاستجابة لأصوات المحيطين به، وتظهر أولى محاولاته للتفاعل مع الآخرين من خلال الابتسام أو إظهار الدهشة أو الضحك.
ج. مرحلة التفاعل الصوتي: من السنة الأولى حتى السنة والنصف
في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في استخدام بعض المقاطع الصوتية المكونة من حروف متكررة، مثل “ماما” أو “دادي”. كما يبدأ في استخدام إشارات بديلة مثل الإيماءات والإشارات اليدوية للإشارة إلى ما يرغب فيه أو احتياجاته. في هذه الفترة، يمكن للأطفال أيضًا فهم بعض الكلمات البسيطة مثل “لا”، “نعم”، أو أسماء الأشياء المألوفة لهم.
د. المرحلة اللفظية الأولى: من السنة والنصف حتى السنتين
هذه هي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل بالتحدث بكلمات مفردة، وغالباً ما تكون هذه الكلمات مرتبطة بشيء ملموس حوله. في هذه المرحلة، يظهر الطفل قدرة أكبر على التواصل باستخدام كلمات بسيطة، مثل “ماء”، “طعام”، “لعب”، و”أمي”. لا تزال المفردات في هذه الفترة محدودة، لكن الطفل يبدأ تدريجيًا في جمع الكلمات لتكوين جمل بسيطة، مثل “أريد لعب”.
هـ. المرحلة الجملية: من السنتين حتى الثلاث سنوات
في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في تكوين جمل قصيرة. قد تكون هذه الجمل قصيرة، لكن الطفل يبدأ في استخدام الأفعال والأسماء بشكل مبدئي. تبدأ اللغة تصبح أكثر وضوحًا، ويمكنه استخدام جمل من كلمتين مثل “أريد حليب” أو “أمي هنا”. في هذه الفترة، يتطور مفردات الطفل بشكل سريع، وتصبح قدرته على تكوين الجمل أكثر تعقيدًا، حيث يبدأ في استخدام الضمائر والأزمنة بشكل أولي.
و. المرحلة المتقدمة: من ثلاث إلى أربع سنوات
يتقن الطفل في هذه المرحلة تكوين جمل كاملة ومفهومة، قد تكون جملًا تحتوي على فاعل، فعل، ومفعول به. تتوسع مفرداته بشكل سريع، ويتحسن قدرته على التعبير عن أفكاره ومشاعره. يمكنه أيضًا البدء في استخدام الأسئلة بشكل واضح، مثل “ماذا؟”، “أين؟”، “كيف؟”. بالإضافة إلى ذلك، يبدأ الطفل في فهم بعض القواعد اللغوية مثل الجمع والتصريف، وهو أمر يعد خطوة هامة نحو إتقان اللغة.
ز. المرحلة الإضافية: من أربع إلى خمس سنوات
في هذه المرحلة، يكتمل تقريبًا تعلم الطفل للغة. يكون الطفل قادرًا على استخدام جمل معقدة، مثل الجمل الشرطية أو الجمل التي تحتوي على مفعولات مزدوجة. كما يمكنه الآن التعبير عن أفكاره ومشاعره بوضوح باستخدام القواعد اللغوية الصحيحة. يستطيع الطفل في هذه المرحلة أيضًا استخدام اللغة للتفاوض مع الآخرين، والإجابة على الأسئلة المعقدة.
2. العوامل المؤثرة في تطور الكلام لدى الطفل
يؤثر عدد من العوامل في سرعة تطور الكلام عند الأطفال، وتختلف هذه العوامل من طفل لآخر:
أ. الوراثة والجينات
تعد الوراثة أحد العوامل التي تؤثر في تطور الكلام لدى الطفل. هناك أطفال يتحدثون في وقت مبكر بينما يتأخر آخرون في تعلم الكلام. يمكن أن يلعب الوراثة دورًا في هذا التأخير أو التسريع.
ب. العوامل البيئية
تشير الدراسات إلى أن البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورًا مهمًا في تطور اللغة. الأطفال الذين ينشأون في بيئات غنية بالتحفيز اللغوي، حيث يتحدث إليهم البالغون ويقرأون لهم، يميلون إلى اكتساب اللغة في وقت مبكر. من المهم أن يتفاعل الطفل مع المحيطين به في بيئة غنية بالكلام والحوار لتحفيز تطوير مهاراته اللغوية.
ج. التفاعل الاجتماعي
تعد التفاعلات الاجتماعية عاملًا أساسيًا في اكتساب الطفل للغة. كلما كان الطفل أكثر تفاعلًا مع الآخرين، سواء مع الوالدين أو الأقران، كلما زادت فرصه في تعلم الكلمات والجمل بشكل أسرع.
د. التأثيرات الصحية
أحيانًا يمكن أن تؤثر بعض الحالات الصحية في تطور اللغة عند الطفل. على سبيل المثال، قد تؤدي مشاكل في السمع إلى تأخر الكلام، حيث أن القدرة على سماع الأصوات مهمة جدًا في تعلم النطق. في بعض الحالات، يمكن أن تؤثر حالات مثل التأخر في النمو العقلي أو الاضطرابات مثل التوحد على تطور مهارات اللغة لدى الطفل.
هـ. اللغات المتعددة
الأطفال الذين يتعلمون أكثر من لغة في وقت واحد قد يواجهون تأخرًا بسيطًا في الكلام في البداية. ومع ذلك، يتمكن هؤلاء الأطفال في النهاية من إتقان كل اللغات التي تعرضوا لها، ولكنه قد يستغرق وقتًا أطول حتى يتمكنوا من إتقان الكلام الكامل في كل لغة.
3. التأخر في الكلام لدى الأطفال
ليس كل طفل يتبع المسار نفسه لتعلم الكلام. بعض الأطفال قد يتأخرون في الكلام لأسباب متنوعة، مثل التأخر في النمو، المشكلات السمعية، أو اضطرابات اللغة. في بعض الحالات، قد يكون التأخر في الكلام مؤقتًا وغير مقلق، لكن في حالات أخرى قد يتطلب التدخل المبكر. إذا لوحظ أن الطفل لا يبدأ في التحدث أو لا يستخدم الكلمات بحلول سن 18 إلى 24 شهرًا، ينبغي استشارة مختص في تطوير اللغة أو طبيب الأطفال.
4. دور الوالدين في تنمية مهارات الكلام
تلعب الوالدين دورًا محوريًا في تطوير اللغة لدى أطفالهم. يمكن للأمهات والآباء دعم تطور مهارات الكلام من خلال التفاعل المستمر مع الأطفال، التحدث معهم، القراءة لهم، واستخدام لغة مفهومة وواضحة. من المفيد أن يتحدث الوالدان مع الطفل بشكل متواصل، حتى لو لم يكن الطفل يرد بالكلمات بعد. مثلًا، يمكن للوالد أن يصف ما يحدث حول الطفل: “هذه كرة، أنت تمسك بالكرة”. مثل هذه الأنواع من التفاعل تعزز قدرة الطفل على فهم اللغة وتطوير مفرداته بشكل طبيعي.
5. الختام
يعد تعلم الطفل للكلام من العمليات المعقدة التي تتأثر بالعديد من العوامل البيولوجية والاجتماعية. بالرغم من أن هذه العملية قد تختلف من طفل لآخر، فإن فهم مراحل تطور اللغة يساعد الوالدين والمربين على التعرف على النقاط المهمة في نمو الطفل وتقديم الدعم اللازم له.
